كتاب [ هكذا تكلم زرادشت ] لـ فريدريش نيتشة

{[['']]}

     أكثر من مائة سنة مرّت على ما كتبه هذا الفيلسوف الذي يسمّي نفسه “عبوة ديناميت”. واليوم، ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين مازالت هذه المواجهة الصريحة والصادقة تحرج وتربك الكثيرين، لأن نيتشه الذي كان يعرف أنه لا يكتب لعصره آنذاك يبدو كما لو أنه ينهض من سباته، وذلك منذ النصف الثاني من القرن المنصرم، بل لنقل أن آخر القرن العشرين، وهو يتعثر في ركام الأفكار والقيم الإنسانية التي بعثرتها الحربان العالميتان قد اكتشفت نيتشه من جديد. وها هو ذلك الحلم الذي راوده مثل يتوبيا: أن يشهد العالم في يوم ما اهتماماً بفكره وأن تنشأ كراسي محاضرات جامعية حول زرادشت، ها هو يتحقق على نطاق واسع، في فرنسا وأمريكا أولاً ثم في ألمانيا وهولندا واليابان، وربما في البلاد العربية في القرن القادم، لم لا؟ وهناك اليوم كراسي محاضرات جامعية حول زرادشت، بل وهناك أيضاً مجلات علمية مختصة، مثل مجلة “الدراسات النيتشوية” بألمانيا، ومجموعات بحوث مثل مجموعة جامعة نايميخن بهولندا التي تنكب حالياً على تأليف معجم “القاموس النيتشوي”. بعد أكثر من مائة سنة مازال “الممسكون بالحقيقة” الرسمية يرفعون ثنائية الخير والشر فوق حمال بضاعتهم القديمة المتجددة. وعندما تطلع علينا رسالة “البشرى السعيدة” في صيغتها الحديثة بمصطلح “محور الشر” الذي أتى في بداية هذا القرن ملمعاً ببريق الحداثة مزوقاً بمساحيق الديموقراطية والحرية والليبرالية، فان الباحث عن الحقيقة لن يجد له من سند فلسفي في مسعاه الفكري المستقل لا في هيقل ولا في كنط ولا في ماركس، ولا في أفلاطون أيضاً، بل في نيتشه، ونيتشه وحده. وعندما تتحول قوة امبريالية بطموحات امبراطورية كونية الى كيان مجسد لمبدأ الخير الكوني والى أذن تلقّت رسالة انقاذ من الله مباشرة، والى يد الله المرتبة لفوضى الكون، فإن المفكر الذي يريد أن يفهم أولاً ويتمثل آليات هذه الاكذوبة الأبدية المتجددة سيجد نفسه يطرح الأسئلة النيتشوية القلقة المقلقة والمشاغبة. ان الأمر لا يتعلق هنا بالبحث عن سند نظري لإيديولوجيا سلموية تناشد التناغم الكوني ضمن سلام دائم شامل ومطلق، بل يتعلق الأمر بالبحث عن مرتكز فكري لمراجعة وتدقيق مبدأ “إرادة القوة”، لا بمعنى النزوع العنفوي الى التسلط كما يذهب الى ذلك التأويل السطحي، بل كقانون طبيعي مداخل لمبدأ الحياة نفسه، المبدأ القائم على الحركة والتناقض والتقاتل والتجاوز والتغيير. انه مبدأ “ارادة القوة” الذي يحرك الحياة، إذ ما هو حيّ لا يريد الحياة، بما هي متحققة فيه، وما هو ليس حيّ لا يستطيع أن يريد. أو كما يقول نيتشه: “حينما تكون هناك حياة فقط، تكون هناك أيضاً إرادة، لكن ليست إرادة الحياة، بل، وهذا ما أعلمك إياه، إرادة القوة!” إذاً، من خلال إرادة القوة، فإن عناصر القوة والنمو والتطور والتجدد داخل الكائن هي التي تدفع عنها العناصر المتراخية والمتخاذلة التي لم تعد قادرة على الحركة والتطور، ولا تسحرها غير أنغام الاستسلام الى خدر الموت. “إرادة القوة” هو القانون الذي يدفع الى المغامرة باتجاه المجهول، لا ذلك الذي يشد الى اليقين والأمان والثبات في المحافظة على المنجز. القلق الذي يدفع بالمفكر الى حالة من الترحال الدائم، أن زرادشت مسافر رحالة جوال، وهو شبيه في ذلك الى حدّ بعيد بدراويش المتصرفة، لأنهم هم أيضاً بحاثون قلقون لا يرتاحون الى دفء اليقين والحقائق المتأسسة في الثبات: “رحالة أنا ومتسلق جبال (…)/ وكل ما سيحل بي بعدها من وقائع وأقدار/ ترحالاً سيكون ذلك/ وتسلق جبال:/ فالمرء لا يعيش سوى ذاته في كل شيء بالنهاية”.

     وهكذا تكلم نيتشه على لسان زرادشت. وأخيراً يمكن القول أن لعلّ ما يميز هذا الكتاب عن المؤلفات الفلسفية جميعها تقريباً طابعه الأدبي الشعري الذي يجعل منه كتاباً “للجميع” كما يسميه صاحبه.

رابط التحميل [ هنــا ]

يمكنك مشاركة اللعبة مع أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التالي السابق الرئيسية
 
جميع الحقوق محفوضة لموقع مدونة الكتب مستضاف لدى بلوجر
تصميم ماسكوليس تعريب وتطوير عين العرب